تشهد مصر تنوعاً في البرامج الانتخابية التي قدمها المرشحون للانتخابات الرئاسية المصرية، والمزمع إقامتها في بداية ديسمبر المقبل، واختلافاً في وجهات النظر المقدمة والخاصة بالعديد من المسائل السياسية والاقتصادية، بينما أظهر المرشحون الأربعة إجماعاً بشأن موقفهم من القضية الفلسطينية، متضامنين مع سكان قطاع غزة الفلسطيني، وذلك في ظل الحرص على تقليل الإنفاق الدعائي نظراً للأوضاع الراهنة.
من المنتظر أن تنطلق عملية التصويت في مصر يوم العاشر من ديسمبر المقبل وتستمر لثلاثة أيام، وتشمل القائمة الانتخابية ثلاثة مرشحين بالإضافة إلى الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، وهم: فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وعبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، وحازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري.
ومن المتوقع أن تقوم حملة الرئيس السيسي بالإعلان عن رؤيتها في مؤتمر صحفي قادم، وفقاً لما أفاد به محمود فوزي، رئيس الحملة الانتخابية، مؤكدًا أن ما سيتم الإعلان عنه سيكون عبارة عن رؤية وليس برنامجاً انتخابياً تقليدياً.
تحتل أزمة الوضع الاقتصادي ومسألة سد النهضة الإثيوبي موقع الصدارة ضمن النقاط الجدلية في برامج المرشحين، نظراً لكونهما من القضايا الأكثر إلحاحاً داخلياً في الفترة الراهنة، يأتي ذلك في ظل استمرار إثيوبيا في تقدمها بمشروع السد، ومواجهة تحديات الاقتصاد العالمية.
ويرى المرشح الرئاسي حازم عمر، أن معالجة الوضع الاقتصادي تتطلب علاجاً للاقتصاد المصري بشكل هيكلي كامل من خلال إزالة الضرائب والرسوم عن الغذاء والدواء الذي يستخدمه الفقراء ومحدودو الدخل، بالإضافة إلى تحقيق العدالة في توزيع الأعباء الضريبية التي يتحملها المواطن.
ويعتقد حازم عمر، المرشح لرئاسة الجمهورية، أن التصدي للتحديات الاقتصادية يستلزم إصلاحاً جذرياً للاقتصاد المصري، يبدأ بإلغاء الضرائب والرسوم على المواد الغذائية والأدوية بينما يتم فرضها على الفئة التي تستخدم السلع الكمالية والرفاهية من وجهة نظره.
ومن جانبه أعلن المرشح المعارض فريد زهران التزامه بتطوير خطة لإعادة جدولة الديون الخارجية المترتبة على مصر، والتفاوض مع الدائنين ضمن مبادرة لإعادة هيكلة ديون الدول الأفريقية، وينوي زهران اقتراح فكرة تحويل الديون إلى استثمارات، ويؤكد على ضرورة أن تتبع الحكومة استراتيجية فعّالة لتقليل الدين العام، مع التأكيد على أهمية الحد من الاقتراض إلا لتمويل المشروعات ذات الأثر الاقتصادي الإيجابي المباشر.
يرى المرشح الرئاسي عبد السند يمامة أن المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد هي مجرد عرض لمشكلة أكبر، مؤكداً على رفضه القاطع للتعاون مع صندوق النقد الدولي في حالة فوزه في الانتخابات، يمامة ينتقد بشدة السياسات الاقتصادية الحالية التي برأيه، أدت إلى تعطيل عمليات التصنيع والإنتاج، ونقص في كفاءة إدارة الموارد، بالإضافة إلى عدم ترتيب الأولويات بشكل مناسب عند تنفيذ المشروعات القومية الكبرى.
وجهة نظر خبراء الاقتصاد
وجاءت وجهة النظر الأكاديمية في مجال الاقتصاد، على سبيل المثال، أشار الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد المساعد في الأكاديمية العربية للنقل البحري، إلى عدم وجود برنامج اقتصادي محدد من قبل مرشحي الانتخابات الرئاسية، يتناول الوضع الاقتصادي الحالي والتطلعات حتى العام 2030، ونوه إلى أن ما تم طرحه ومناقشته حتى الآن يتمحور حول آراء وأفكار تتعلق ببعض جوانب الاقتصاد دون الإحاطة بجميع جوانبه.
ملف سد النهضة الإثيوبي
ويرى المرشح فريد زهران أن إدارة الدولة المصرية لمسألة “سد النهضة الإثيوبي” خلال فترة حكم الرئيس السيسي كانت ملائمة، فيما يعلن المرشح حازم عمر موقف مصر الرافض للعدوانية، مؤكداً على رغبتها في “تحقيق تنمية مشتركة” ضمن إطار ثوابت واضحة لا يمكن التنازل عنها، ويشدد على أن لدى القاهرة خطوط حمراء قد تستدعي استخدام “القوة الخشنة” إذا لزم الأمر.
وينتقد المرشح يمامة موقف النظام المصري تجاه قضية “سد النهضة الإثيوبي”، مشيراً إلى أن بناء السد أفقد مصر جزءاً كبيراً من السيطرة على الوضع، يرى أن الخيار العسكري أصبح غير مجد منذ عام 2020، لأنه قد يتسبب في فيضانات تضر بالسودان ومصر، كما عبر عن استيائه من استمرار مصر في الالتزام باتفاق المبادئ الموقع في عام 2015، الذي يحصر حق مصر في التعامل مع أي نزاع حول السد عبر التفاوض فقط.
ورد الدكتور عاطف السعداوي، المتخصص في مركز “الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، موضحاً أنه لا توجد اختلافات كبرى بين رؤى المرشحين الجدد حول كيفية التعامل مع قضية “سد النهضة الأثيوبي”، وتتماشى هذه الرؤى مع النهج العام للدولة المصرية الذي يستبعد الخيار العسكري ويتبنى المسارات التفاوضية المتنوعة، مؤكدةً على حق دول حوض النيل في التنمية والاستفادة من مواردها، يشير السعداوي إلى أنه لم يقدم أي من المرشحين رؤية واضحة للتعامل مع السد بعد اكتمال بنائه.
أشار كذلك إلى غياب رؤية محددة من المرشحين بشأن تداعيات الملء الرابع للسد الإثيوبي، وكذلك عدم وجود منهج اقتصادي محدد للتعاطي مع الأضرار المتوقعة نتيجة تشغيل السد أو خطة لمواجهة احتمالية انخفاض المياه، لفت إلى أن معظم النقاشات حول هذا الموضوع تركز على مبادئ عامة دون التطرق إلى التفاصيل الدقيقة.